Wednesday, December 14, 2011

الجسد والإيمان بالله

إن الايمان المسيحي يؤكد على أن الجسد هو جزء لا يتجزأ من عبادة الله. وأن مظهر الإنسان الخارجي للجسد يعكس بشكل واضح ما يدور في فكر الإنسان وقلبه. لهذا كثيراً ما نخطئ نحن المسيحيين في تقدير أهمية الجسد وقدسيته.
قال الرب يسوع المسيح للمرأة السامرية: "ولكن تاتي ساعة وهي الآن حاضرة إذ الساجدون الحقيقيون يسجدون للآب بالروح والحق." (يوحنا 23:4)، ويرى المعلم نيكوفورس "أن قوله "بالروح" يدل على تخصيص العقل وتكريسه لله، وقوله "والحق" يدل على خدمة الجسد في الفضيلة العملية،" ويؤكد على هذا القديس يوحنا الذهبي الفم حيث يرى أن الحق هو أن ينقّي المسيحي أفكاره ويطهّرها ويصلب جسده عن الشهوات الارضية والرغبات الدنُيا. ومن هنا نستنتج أن المؤمن هو من يجسِّد عبادته لله من خلال روحه وجسده معا ومن خلال تكريس كليهما لخدمة الله.
إن التعامل مع الجسد الذي هوهيكل الروح القدس هو من أهم إشارات الإيمان، فإن الجسد "هومنصة الشهادة للإيمان والعفة هي الشهادة،" والعفة لا تبدأ بتطبيق شريعة معينة أو قانون خاص، بل إن تعامل الإنسان مع جسده يعكس إما روح الله أو روح الزنى الذي هو ضد العفة. وروح الزنى هو أن نمجد مظهر الجسد، هو أن نتمسك بتجميل المظهر الخارجي للجسد مبرزين مفاتنه  وجاعلين الجسد وجماله مركز الاتصال مع الاخرين لا الوجه، وبتعبير آخر، إن من نظر الى جسده على انه كتلة لحمية يجب تجميلها والتباهي بجمالها قد عاش روح الزنى. أما من يعيش بروح الله، لا روح الزنى، فيتعامل مع جسده بكل قدسية وإحترام مراعياً أنه يتعامل مع هيكل الروح  القدس. إحترامنا لجسدنا لا يقل أهمية عن إحترامنا لمبنى الكنيسة، فالإثنان قد تكرسا لله.
إن صرف الكثير من الوقت لتجميل المظهر الخارجي للجسد وإظهار مفاتنه وإغراءاته يعكس روحاً  مريضاً وقلباً غليظاً أعيته شهوات العالم ومغريات إبليس، فيكون الإنسان قد أصبح كالقبر المزين من الخارج لكنه مليء بالموت من الداخل، فإظهار المفاتن هوالعيش بروح الزنى وهو من أهم اعراض المرض الروحي كما يؤكد الأباء القديسين.
يقول القديس بولس الرسول "وكذلك أن النساء يتزين بزينة لائقة مع حشمة وتعقل لا بتجعيد الشعر أو الذهب أو اللآلئ أو الثياب كثيرة الثمن بل كما يليق بنساء قد تعاهدن تقوى الله بالأعمال الصالحة."         (1 تيمو9:2-10) وبهذا يوازن الرسول بين التقوى والتعقل والحشمة والأعمال الصالحة من جهة والتزين بما هو غير لائق من جهة اخرى حيث أن الأمرين متناقضان. ومن هنا فإن الحشمة هي إحترام المؤمن لجسده وهي " تعبير عن التزام المؤمن والمؤمنة بتقوى الله." والتغاضي عن الحشمة هو "إقتبال الفجور وإنقاص شأن النفس والجسد معا."
ومن جهة أخرى، فإن عدم الحشمة يجعل الجسد ونتوءاته محور الإتصال بين البشر وبهذا يكون روح الزنى هو روح الإتصال ليس روح الله بينما جعل الله الوجه وفقط الوجه أداة الإتصال بين البشر. فالكلام الخارج من الفم هو الرابط لهذا الإتصال، لأن الفم يعكس ما داخل الإنسان من روح معرفة ومحبة وغيرها، أما نتوءات الجسد فلا تعكس سوى زنى وفجور وشهوة حيوانية. بالتالي من غيَّر وسيلة الإتصال أهان نفسه لأنه ربضها من الداخل دون إتصال مع الخارج وجعل الإتصال فقط لتدنيس الجسد، فأهان الجسد أيضا.
وفي الخاتمة نتذكر قول الرسول القديس بولس: ""كل الأشياء تحلّ لي لكن ليس كل الأشياء توافق... ولكنّ الجسد ليس للزّنا بل للربّ والربّ للجسد... ألستم تعلمون أنّ أجسادكم هي أعضاء المسيح... اهربوا من الزّنا... أم لستم تعلمون أنّ جسدكم هوهيكل للروح القدس الذي فيكم الذي لكم من الله وأنّكم لستم لأنفسكم... فمجِّدوا الله في أجسادكم وفي أرواحكم التي هي لله" (1 كو6: 12 – 20). آمين.

No comments:

Post a Comment