Wednesday, December 14, 2011

كنيسة ام كتاب

منذ مئات السنين, اختلف المسيحيين على ما هو المرجع الاساسي للتعليم المسيحي فبعضهم من قال ان الكنيسة هي المرجع الاول والأخير والبعض الأخر يعتبر الكتاب المقدس هو المرجع الاساسي و السلطة المطلقة للتعليم المسيحي. هذا الخلاف و التساؤل يدل على جهل في تاريخ الكنيسة و جهل في الكتاب المقدس. لأنه في باديء الامر لا بد من التأكيد على انه لا تناقض بين تعليم كنيسة المسيح الحقيقية, و التفسير السليم للكتاب المقدس , لكن التساؤل يبقى ما هو الاهم؟ و هل تفسر الكنيسة الانجيل ام يحدد الانجيل تعاليم الكنيسة؟

للأجابة على هذا التساؤل لابد في باديء الامر ان نعود للتاريخ لنحدد ما هو الانجيل و ما هي الكنيسة. ما نعلمه ان المسيح لم يكتب كتاب او يعطي تلاميذه كتاب مقدس ليتبعوه. لا يوجد اي مرجع في الكتاب المقدس او في كتب التاريخ او في اي تقليد ان المسيح يسوع امر تلاميذه ان يكتبوا كتاب او قال لهم ما يكتبوا في هذا الكتاب. ان الانجيليين الاربعة كتبوا ما سمعوه و عاينوه و تذكروه. لم يدعي هؤلاء الإنجيليين أن كتبهم تحوي على كل الحقيقة, بل العكس هو الصحيح فقد قال اخر الانجيليين الاربعة يوحنا الاهوتي : "وَآيَاتٍ أُخَرَ كَثِيرَةً صَنَعَ يَسُوعُ قُدَّامَ تَلاَمِيذِهِ لَمْ تُكْتَبْ فِي هذَا الْكِتَابِ.وَأَمَّا هذِهِ فَقَدْ كُتِبَتْ لِتُؤْمِنُوا أَنَّ يَسُوعَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ، وَلِكَيْ تَكُونَ لَكُمْ إِذَا آمَنْتُمْ حَيَاةٌ بِاسْمِهِ." (يوحنا 30:20-31). اذن الإنجيليين اعتبروا الإنجيل شهادة حق للمسيح و لكن لا يحتوى على كل شيء. ما يؤكد هذا الكلام ان المؤمنين لم يكونوا متسرعين لكي يجمعوا كل الكتب في كتاب واحد اسموه الانجيل. ان الانجيل و قانون الانجيل لم يحدد الا بعد ثلاثمئة سنة بعد المسيح. فقد قرر المسيحيون تحديد الكتاب المقدس لا على سبيل حصر الحقيقة في كتاب واحد بل على سبيل تحديد ما هو صحيح و ما هو منحول. في القرن الرابع الميلادي رفضت الكنيسة الكتب المنحولة و حددت الكتب الحقيقية. ان العهد الجديد لم يُجمع في كتاب واحد ويُضع في متناول ايدي الجميع الا في أوائل القرن السابع. لهذا نستطيع الاستنتاج ان الرسل و المؤمنين الذين لحقوهم لم يعتمدوا على اي كتاب مقدس بل على تعليم الرسل و الاساقفة.

نعم ان المسيح لم يأمر الرسل ان يكتبوا كتاب ولكن اعطاهم الروح القدس ليعلموا و يبشروا الامم و يعمدوهم. لقد اعطى الرسل هذه السلطة للاساقفة الذين لحقوهم. ففي رسالته الى تيطس يؤكد القديس بولس للقديس تيطس: " تَكَلَّمْ بِهذِهِ، وَعِظْ، وَوَبِّخْ بِكُلِّ سُلْطَانٍ. لاَ يَسْتَهِنْ بِكَ أَحَدٌ " (تيطس 15:2). فان كل سلطان مع الاسقف تيطس الذي لم يملك عهد جديد ليعظ منه. بالإضافة لذلك أكد بولس أن " الأُسْقُفُ بِلاَ لَوْمٍ كَوَكِيلِ اللهِ "(تيطس 7:1). فان السقف هو وكيل الله. لا يوجد اي حدث او مرجع من الكتاب القدس او خارجه يعطي الكتاب القدس هذه السلطة. ولكن الأسقف ليس معصوماً عن الخطأ. فقد اثبت التاريخ مرات عديدة ان الأساقفة أينما كان موضعهم فهم عرضة لابليس و مكائده الشريرة. امثالا كثيرة تثبت هذا, فقد كان الهرطوق نسطوريوس بطريرك القسطنطينية , وكان هونوريوس بابا روما, اما ديوسقورس فكان بطريرك الاسكندرية و سفيروس بطريرك انطاكيا, و كان يوسيبوس اسقف نيقوموديا, كلهم قد سقطوا في هرطقات و تعاليم خاطئة مختلفة حتى اضطرت الكنيسة بطريقة او باخرى الى قطعهم من شركة القديسين و حرمانهم من الكنيسة.
لكن المسيح اكد ان الكنيسة هي بلا خطية. ان يسوع لم يكتب كتاب و لكنه اسس كنيسة معصومة عن الخطأ, قائلاً: " عَلَى هذِهِ الصَّخْرَةِ أَبْني كَنِيسَتِي، وَأَبْوَابُ الْجَحِيمِ لَنْ تَقْوَى عَلَيْهَا" (متى 18:16). ان الصخرة لم تكن الكتاب المقدس او حتى بطرس كما يرى البعض, بل ان الصخرة هي ايمان بطرس بأن المسيح هو ابن الله الحي. وعلى صخرة الإيمان تبنى الكنيسة. يشهد لهذه الكنيسة الكتاب المقدس كما يشهد بأن المسيح هو ابن الله ، و يعلم أساقفة هذه الكنيسة ان المسيح هو ابن الله كما تسلموا جيلا بعد جيل, و لكن تبقى الكنيسة, كنيسة المسيح التي اسسها بنفسه, هي " عَمُودُ الْحَقِّ وَقَاعِدَتُهُ "(1 تيموثاوس 15:3). فليحفظنا الله و يبقينا في كنيسته التي اسسها هو و اعطاها الايمان الحق, ايمان الثالوث القدوس, الاب و الابن و الروح القدس, امين.

No comments:

Post a Comment